إتفاقية سايكس _بيكو
Sykes–Picot Agreement
مقدمة الكاتب .
من هما الرجلان الذي قامة برسم خريطة الدول العربية وقسماها الى أجزاء هم أصحاب الخريطة التي ولدت مئة عام من الغدر ، الرجلان اللذان دمرا الشرق الأوسط .
قبل ما يزيد عن مئة عام عمل شخصان بجد واجتهاد وسرية تامة على رسم حدود جديدة لمنطقة الشرق الأوسط أو ما كان يعرف آنذاك بمنطقة نفوذ الدولة العثمانية الأول إنجليزي ويدعى "مارك سايكس" والثاني فرنسي يدعى " جورج بيكو " هذان الشخصان هما صاحبا إتفاقية (سايكس بيكو ) الشهيرة التي غيرت معالم الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى كل منهما يحمل جنسية مختلفة عن الأخر ويتحدث لغة مختلفة ولم يكن أكثر المتفائلين حظاً أن يرتبط إسميهما بأكثر القضايا تعقيداً في الشرق .
واليوم سنتعرف أكثر على هذان الرجلان اللذان قاما برسم حدود الدول التي نعيش فيها اليوم وهذا ليس بسبب قوتهم أو ذكائهم بل لفرط ضعفنا نحن العرب ؛ ولعل قراءة التاريخ تعلمنا كيف نقرأ المستقبل ونتعلم من أخطائنا .
لكن قبل أن نتعرف الى حياة كل منهما علينا أن نعرف ماهي هذه المعاهدة المشؤمة التي حملت إسم كل منهم وقسمت الأراضي العربية التابعة للدولة العثمانية الى دول لها حدود منتاحرة في مابينها .
إتفاقية "القاهرة السرية" أو الأسم الأشهر لها إتفاقية "سايكس بيكو"
أبرمة هذا الإتفاقية في السادس عشر من مايو /أيار عام 1916 وهي أتفاق بين الأمبراطورية البريطانية مع فرنسا بمصادقة من روسيا القيصيرية لتقسيم أراضي الدولة العثمانية التي تقع شرق مصر أو ما تسمى "منطقة الهلال الخصيب " وذلك بعد تهاوي نفوذ الدولة العثمانية فيها بهدف السيطرة على على هذه الأراضي لضمان حصولهم على المزيد من الأراضي ومصادر الطاقة وممرات الملاحة والأسواق الواعدة في الشرق الأوسط .
لم تكن هناك حدود مرسومة بين الدول شرق جمهوية مصر أو ما كان يعرف" أراضي الهلال الخصيب العربية " قسمت الأتفاقية دول المنطقة الى أربع جهات ، حيث أخذت فرنسا الجزء الأكبر من الأراضي في الجناح الغربي من سوريا ولبنان ومنطقة الموصل في العراق وكان نصيب الإمبراطورية البريطانية من طرف جنوب الأراضي السورية متوجهاً الى الجانب الشرقي يشمل بغداد والبصرة والمناطق التي تقع بين سوريا والخليج العربي ، بينما روسيا لها الولايات الأرمنية داخل الدولة العثمانية وذلك بالإضافة الى حق الدفاع عن المسيحين" الأرثودكس" .
وقرروا وضع الأراضي الفلسطينة تحت إشراف دولي بين كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا ؛ إلا ان الإتفاق نص على منح عكا وحيفا الى بريطانيا وحصلت على الموصل أيضاً .
لم يكن العرب على درايا بهذه الإتفاقية فهم يسعون للحصول للأعراف بحقهم بتأسيس دولة عربية ؛ بينما كانت الدول المذكور (بريطانيا وفرنسا وروسيا ) تريد تقسيم الدولة العربية التي انتهى حكم العثمانيون فيها بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى .
اتفاقية سايكس_بيكو ووعد بلفور .
وقد دامت المفاوضات من أجل توقيه هذه الإتفاقية قرابة 4 اشهر سراً لا يدري العرب عنها أي شيء ، إلى أن قامت الحكومة السوفيتية بنشرها بعد الثورة الشيوعية سنة 1917 عندها سارعت الإمبراطورية البريطانية بالحديث مع العرب على أن هذه الأتفاقية تم إلغائها بعد إنسحاب روسيا من الحرب وأنضمام العرب الى جانب الحلفاء ؛ أما الصهاينة فقد أمسكوا بها وبدأوا يضغطون بها على الحكومة البريطانية على أن تدويل فلسطين (جعلها تحت حماية دولية) يتنافى مع إنشاء الوطن القومي لليهود في فلسطين وهنا قامت بريطانيا بإخبار اليهود أن التدويل ماهو إلا عبارة عن خطوة أولية أكدها موقف كل من روسيا وفرنسا اللذان كانا لهما مطامع أيضاً في فلسطين وأن الإمبراطوية تعمل من أجل إلغائه وهو ما أكده الوعد الأشهر في العالم "وعد بلفور " وهو كان عبارة عن رسالة أرسلها رئيس خارجية بريطانية (أرثر بلفور ) الى روتشلد أحد زعماء الحركة الصهيونية يأكد له أن يعمل على إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين .
هذا بخصوص إتفاقية سايكس بيكو أما عن الأشخاص اللذان وقعا عليها فنبدأ بأولهما مارك سايكس إنجليزي الجنسية .
ولد "مارك سايكس" في شهر مارس /آذار من عام 1879كان والده (تاتون سايكس )البارون الخامس من سيلدمير شديد البخل وقد تزوج من مراهقة صغيرة أنجبت له "مارك" في زواج غير سعيد مضى في أروقة المحاكم وفضائح إجتماعية .
عندما بلغ " مارك" سن المراهقة بلغت المشاكل بين والديه ذروتها الى حد الإنفصال فذهبت الأم للعيش في لندن كانت بسبب المشاكل مع زوجها أدمنت شرب الخمر ولعب القمار مما أفقدها الكثير من مالها هنا وهناك ؛ لم تكن حياة "مارك " سعيدة لا في البيت ولا في المدرسة بسبب الظروف التي عانا منها في المدارس الداخلية ، لن بالوساطات التي حصل عليها أستطاع أن يذهب الى جامعة "كامبريج" لكنه لم يستمر فيها طويلاً فقد رسب بالإمتحان المبدأي في سنتين غير منتظمتين في الدراسة وعلى إثر تخبطه وفشله في التحصيل العلمي إختار القيام برحلات إستكشافية على غرار ما كان يفعله الرحالة في العصر الفيكتوري .
سافر الى فلسطين وبدأ يتعلم اللغة العربية على يد أحد اساتذة اللغة المشهورين في ذلك الوقت ولم يقدم "مارك " في الجامعات والمدن التي سافر اليها ما يثير الإهتمام ربما غير حوادثه المشوقة عن الحياة في اسطنبول والملابس العربية التي كان يجلبها معه خلال سفره ال هناك اتجه الى الكتابة عن تجربته في الأسفار فنشر في عام 1900 كتاب (خلال الخمسة أقاليم التركية) لكنه لم يحظى باهتمام ذكر في ذلك الوقت ، بعد ذلك قرر اللتحاق بالجيش البريطاني في جنوب أفريقيا عاش أيام صعبة هناك مع أنه لم يقاتل بنفسه .
نفوذه العائلي أدخله السلك الدبلماسي البريطاني ليعمل ملحقاً في مكتب "الشؤون الإيرلندية " وبعد ذلك الممثلة البريطانية لدى سلطان الدولة العثمانية وهذه الخبرات أعطت الكثيرن الوهم على أنه ملم بشؤون الأقاليم العثمانية وانتشرت سمعته بالمجلس كأحد المختصين بشؤون الشرق الأوسط لكثرة أسفاره للمنطقة والكتابة عنها ؛ وقد استغل ذلك ليصل الى دهاليز أصحاب القرار السياسي مدعياً معرفته وخبرته في شؤون الدولة العثمانية .
بدء نجم "مارك" بالصعود عندما عيّن الوزير ممثلاً له لجنة "ذي بوسن" وكانت ميول "مارك" تميل الى معادة اليهودية ، لكنه بعد زيارته لموسكو مع "بيكو " لإجراء المباحثات النهائية للإتفاقية بدأت ميوله تنحاز الى الصهيونية وفي عام 1917 اجتمع "مارك سايكس" في منزل الحاخام الأكبر في لندن مع خمسة من زعماء الصهيونية في بريطانيا ويمكننا أن نطلق على هذا الإجتماع (حفل تعميد سايكس و دخوله الى عالم الصهيونية ) .
بعد وفاة (هربرت كتشنر Herbert Kitchener ) بدء دور "سايكس " بالتراجع الى هامش الأحداث بعد ما كان في قلبها لكن ذلك لم يمنع تحركاته حتى انتهاء الحرب فقام بجولة بين مصر وسورية وفلسطين أمضى خلالها ثلاثة أشهر ليعود بعد ذلك الى بريطانيا لم يكن أحد يهتم به لكنه كان يريد أن يبقى في دائرة الأضواء بعد ذلك سافر الى فرنسا من أجل حضور مؤتمر السلام .
مات "سايكس بيكو " في فندق في العاصمة الفرنسية متأثر بإصابته (بالأنفلونزا الإسبانية) وكان ذلك في 19 من فبراير /شباط لعام 1919 عن عمرٍ بلغ 39 سنة فقط ؛ وكان "سايكس " قد أصيب " بالإنفلونزا الإسبانية" بعد عودته من سوريا في أحد فنادق العاصمة الفرنسية باريس أثناء حضوره عقد مؤتمر السلام الذي بدء بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى .
إلا أنه لم يرقد طويلاً بسلام حيث سمح أحفاده للأطباء بفتح قبره وأخراج عينات من جثمانه كونه دفن في تابوت من الرصاص وهذا يعتقد أن الرصاص يحتفظ ببقايا الأنفلونزا الإسبانية في جسده الشبيهة بأنفلونزا الطيور من أجل إجراء أبحاث علمية .
فرانسوا جورج بيكو أو الرجل الثاني من بين أربع رجال وقعوا على هذه الأتفاقية
الرجل الثاني في الإتفاقية أو في المآمرة على العرب ، ولد فرانس ماري جورج بيكو في العاصمة الفرنسية باريس عام 1870 أبوه هو المحامي والمؤرخ الفرنسي جورج بيكو وهو عضو في الأكاديمية الفرنسية ومؤلف كتاب ( التاريخ العام للدولة ) كان الأب من الأستعماريين بعتباره عضواً في الحزب الكولينيالي الفرنسي نشأء "بيكو " متأثراً بوالده فقد كان يطمح لدراسة القانون وممارسة المحاماة ، عمل في محكمة الإستأناف في باريس واتجه للعمل في الإدارة القانونية في وزارة الخارجية الفرنسية ثم انتقل بعد ذلك الى السلك الدبلماسي فعمل في السفارة الفرنسية "كوبهاغن " الى عام 1901 بعد ذلك الى بكين بدرجة سكرتير حتى عام 1909 ثم الى البرازيل بعد ذلك تم نقله الى بيروت حيث كان هذا بمثابة أول عمل له في الشرق الأوسط بمنصب "قنصل عام " وقد أمات علاقات قوية مع الناقمين على الحكم العثماني بفترة وجيزة والعرب القومين الحالمين بالإستقلال عن الدولة العثمانية بعد فرضهم سياسة التتريك على مناطق نفوذهم .
كان جل اهتمام "بيكو " هو ما الذي ستحصل عليه فرنسا من أجل ذلك كان يدعم حركات المثقفين العرب وتجماعتهم التي انتشرت في باريس بداية القرن العشرين و كرس نفسه للعمل على انفصالها عن الحكم العثماني .
وكان دائماً ما يحث حكومته على التدخل قبل أن يستغل هذا الفراغ الجانب الإمبراطوية البريطانية ؛ كما اقام علاقات مع اليونان قبل أن تنضم الدولة العثمانية الى جانب ألمانيا في الحرب ؛ وأرسل أيضاً 15 ألف بندقية وعتادٍ أيضاً بالإضافة الى 2 مليون رصاصة الى المليشيات المسيحية في لبنان .
عند دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى الى جانب ألمانيا انقطعت الإتصالات والعلاقات الدبلوماسية مع فرنسا مما دفعه للمغادرة ؛ لكنن كان على يقين أن حكومة باريس سوف تقوم بأزال قوات فرنسية على أراض لبنان والتشجيع على الثورة ضد الحكم العثماني ، حيث كان يأمل أين يعود سريعاً مع القوات الفرنسية فتجه الى مصر وأقام فيها حتى عام 1915 وفي شهر أغسطس /آب من نفس العام أُرسل الى لندن كسكرتير أول وذلك لأنه يتقن اللغة الإنجليزية بطلب من السفير الفرنسي هناك ؛ وبصفة مشاروٍ لمتعلقات تاريخية وجغرافية سوريا تبدأ العمل مع س"سايكس" في اللجنة التي تمخض عنها المعاهدة المشؤمة (سايكس بيكو ) المعاهدة التي حملت إسميهما .
في عام 1917 تم ترقية "جورج بيكو " الى منصب مستشار زار خلالها الشرق الأوسط عدة مرات برفقة "مارك سايكس " متنقلاً بين القدس ودمشق وبيروت .
وبتد انتهاء الحرب رفع الى درجة وزير مفوض ثم عاد الى بيروت مندوباً سامياً وقد استمر متنقلاً من بلد الى بلد في الشرق الأوسط حتى عام 1927 حيث أخذ إجازة مرضية طويلة الأمد استمرت حتى تقاعده في يناير /كانون الأول 1932 وكان في ذلك الوقت قد بلغ منصب السفير .
عانا "جورج بيكو " خلال فترات طويلة بحياته من فضائح جنسية مع عشيقات متعددات كما وقع في مشكلة مالية مع أحد الفنادق في باريس حيث كان برفقة عشيقته داخل الفندق بصفة سفير لكنه غادر دون أن يدفع الأجور ؛ الأمر الذي دفع إدارة الفندق الى رفع دعوة جزائية ضده وانتشرت الفضيحة ليتم اختتام حياته الحافلة بأثارة الجدل مثل زميله الإنجليزي "مارك سايكس "
توفي "جورج بيكو" في 20 يونيو /حزيران عام 1951 عن عمر ناهز 81 سنة .
رحل الرجلان لكنهما كانا أقل شئناً من أن يحددا مصيرنا العربي داخل أراضينا لكنهم لم يصلا الى هذه المكانة وحفر كل منهم أسمه في التاريخ ليس بقوة أعماله أو قوة ذكائه بل قلة ذكائنا وضعفنا نحن العرب .